فصل: وفاة الوزير يحيى.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة الوزير يحيى.

ثم توفي الوزير عون الدين يحيى بن محمد بن المظفر بن هبيرة سنة ستين وخمسمائة في جمادى الأولى وقبض المستنجد على أولاده وأهله وأقامت الوزارة بالنيابة ثم استوزر المستنجد سنة ثلاث وستين شرف الدين أبا جعفر أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن البلدي ناظر واسط وكان عضد الدين أبو الفرج بن دبيس قد تحكم في الدولة فأمره المستنجد بكف يده وأيدي أصحابه وطالب الوزير أخاه تاج الدين بحساب عمله بنهر الملك من أيام المقتفي وكذلك فعل بغيره فخافه العمال وأهل الدولة وحصل بذلك أموالا جمة.

.وفاة المستنجد وخلافة المستضيء.

كان الخليفة المستنجد قد غلب على دولته أستاذ دار عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء وكان أكبر الأمراء ببغداد وكان يرادفه قطب الدين قايماز المظفري ولما ولى المستنجد أبا جعفر البلدي على وزارته غض من أستاذ دار وعارضه في أحكامه فاستحكمت بينهما العداوة وتنكر المستنجد لأستاذ دار وصاحبه قطب الدين فكانا يتهمان بأن ذلك بسعاية الوزير ومرض المستنجد سنة ست وستين وخمسمائة واشتد مرضه فتحيلا في إهلاكه يقال إنهما واضعا عليه الطبيب وعلم أن هلاكه في الحمام فأشار عليه بدخول فدخله وأغلقوا عليه باب فمات وقيل كتب المستنجد إلى الوزير ابن البلدي بالقبض على أستاذ دار وقايماز وقتلهما وأطلعهما الوزير على كتابه فاستدعيا يزدن وأخاه يتماش وفاوضاهما وعرضا عليهما كتابه واتفقوا على قتله فحملوه إلى الحمام وأغلقوا عليه الباب وهو يصيح إلى أن مات تاسع ربيع من سنة ست وستين لإحدى عشرة سنة من خلافته ولما أرجف بموته قبل أن يقبض ركب الأمراء والأجناد متسلحين وغشيتهم العامة واحتفت بهم وبعث إليه أستاذ دار بأنه إنما كان غشيا عرضا وقد أفاق أمير المؤمنين وخف ما به فخشي الوزير من دخول الجند إلى دار الخلافة فعاد إلى داره وافترق الناس فعند ذلك أغلق أستاذ دار وقايماز أبواب الدار وأحضرا ابن المستنجد أبا محمد الحسن وبايعاه بالخلافة ولقباه المستضيء بأمر الله وشرطا عليه أن يكون عضد الدين وزيرا وابنه كمال الدين أستاذ دار وقطب الدين قايماز أمير العسكر فأجابهم إلى ذلك وبايعه أهل بيته البيعة الخاصة ثم توفي المستنجد وبايعه الناس من الغد في التاج البيعة العامة وأظهر العدل وبذل الأموال وسقط في يد الوزير وندم على ما فرط واستدعي للبيعة فلما دخل قتلوه وقبض المستضيء على القاضي ابن مزاحم وكان ظلوما جائرا واستصفاه ورد الظلامات منه على أربابها وولى أبا بكر بن نصر بن العطار صاحب المخزن ولقبه ظهير الدين.

.انقراض الدولة العلوية بمصر وعود الدعوة العباسية إليها.

ولأول خلافة المستضيء كان انقراض الدولة العلوية بمصر والخطبة بها للمستضيء من بني العباس في شهر المحرم فاتح سنة سبع وستين وخمسمائة قبل عاشوراء وكان آخر الخلفاء العبيديين بها العاضد لدين الله من أعقاب الحافظ لدين الله عبد المجيد وخافوا المستضيء معه ثامن خلفائهم وكان مغلبا لوزارته واستولى شاور منهم وثقلت وطأته عليهم فاستقدم ابن شوار من أهل الدولة من الإسكندرية وفر شاور إلى الشام مستنجدا بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكي من أقسنقر وكان من مماليك السلجوقية وأمرائهم المقيمين للدعوة العباسية وكان صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن الكردي هو وأبوه نجم الدين أيوب وعمه أسد الدين شيركوه في جماعة من الأكراد في خدمة نور الدين محمود بالشام فلما جاء شاور مستنجدا بعث معه هؤلاء الأمراء الأيوبية وكبيرهم أسد فأعاده إلى وزارته وقتل الضرغام ولم يوف له شاور بما ضمن له عند مسيره من الشام في نجدته وكان الفرنج قد ملكوا سواحل مصر والشام وزاحموا ما يليها من الأعمال وضيقوا على مصر والقاهرة إلى أن ملكوا بلبيس وأيلة عند العقبة واستولوا على الدولة العلوية في الضرائب والطلبات وأصبحوا مأوى لمن ينحني عن الدولة وداخلهم شاور في مثل ذلك فارتاب به العاضد وبعث عز الدين مستصرخا به على الفرنج في ظاهر أمره ويسرحون في ارتعاء من إبادة شاور والتمكن منه فوصل لذلك وولاه العاضد وزارته وقلده ما وراء بابه فقتل الوزير شاور وحسم داءه وكان مهلكه قريبا من وزارته يقال لسنة ويقال لخمسين يوما فاستوزر العاضد مكانه صلاح الدين ابن أخيه نجم الدين فقام بالأمر وأخذ في إصلاح الأحوال وهو يعد نفسه وعمه من قبله نائبا عن نور الدين محمود بن زنكي الذي بعثه وعمه للقيام بذلك ولما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفين ضعف أمر العاضد وتحكم صلاح الدين في أموره وأقام خادمه قراقوش للولاية عليه في قصره والتحكم عليه فبعث إليه نور الدين محمود الملك العادل بالشام أن يقطع الخطبة للعاضد ويخطب للمتستضيء ففعل ذلك على توقع النكير من أهل مصر فلما وقع ذلك ظهر منه الاغتباط وانمحت آثار الدولة العلوية وتمكنت الدولة العباسية فكان ذلك مبدأ الدولة لبني أيوب بمصر ثم ملكوا من بعدها أعمال نور الدين بالشام واستضافوا اليمن وطرابلس الغرب واتسع ملكهم كما يذكر في أخبارهم ولما خطب للمستضيء بمصر كتب له نور الدين محمود من دمشق مبشرا بذلك فضربت البشائر ببغداد وبعث بالخلع إلى نور الدين وصلاح الدين مع عماد الدين صندل من خواص المقتفوية وهو أستاذ دار المستضيء فجاء إلى نور الدين بدمشق وبعث الخلع إلى صلاح الدين وللخطباء بمصر وبإسلام السواد واستقرت الدعوة العباسية بمصر إلى هذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ثم بعث نور الدين محمود إلى المستضيء رسوله القاضي كمال الدين أبا الفضل محمد بن عبد الله الشهرزوري قاضي بلاده يطلب التقليد لما بيده من الأعمال وهي مصر والشام والجزيرة والموصل وبما هو في طاعته كديار بكر وخلاط وبلاد الروم التي لقليج أرسلان وأن يقطع صريعين ودرب هارون من بلاد سواد العراق كما كانتا لأبيه فأكرمه الرسول وزاد في الإحسان إليه وكتب له بذلك.